تاج العلماء السيد الشريف الشيخ عبد الرحمن البخاري رحمه الله
العالم العلامة تاج العلماء السيد الشريف الشيخ عبد الرحمن البخاري رحمه الله – رئيس جمعية العلماء بعموم كيرالا
وقد فقد العالم الإسلامي بأسره علما من أعلام الدعوة الإسلامية وركنا من أركان العلم الديني ورمزا من رموز القيادة الرشيدة وزعيما من زعماء العالم الإسلامي بوفاة العالم العلامة السيد الشريف الشيخ عبد الرحمن البخاري المعروف لدى مسلمي الهند (بأولال كونجي كويا تنغال) رحمه الله ، وكانت وفاته خسارة فادحة وفجوة لا تسد في صفوف زعماء الأمة الإسلامية بالهند والعلماء المخلصين الذين لا يخافون في الله لومة لائم ، وقضى فضيلته جل أوقاته وجهوده لخدمة الدين والدفاع عنه كداعية كبير وزعيم عظيم وخطيب بارز ومدرس مستنير أحيى مجالس الدروس وحلقها بتدريس طلاب العلم الديني وتربيتهم على العقيدة السليمة والسلوكيات الحسنة ،وكان الشيخ رحمه الله ممثلا لعديد من المنظمات والهيئات الإسلامية والمعاهد الدينية وكانت كلماته صوتا رسميا ونهائيا في حلول كثير من القضايا التي تمس مسلمي الهند كما كان فضيلته صاحب ولاية ظهرت على يديه عديد من الكرامات والخوارق .
ولد فضيلته في الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة 1341هـ الموافق لـ 1922 في قرية " كارووانتيروتي" بمنطقة " فروق" قريبا من مدينتي كاليكوت والشاليات الشهيرتين في التاريخ ، وتقع هذه القرية حسب الخريطة الجغرافية على ساحل البحر العربي في موقع حساسي جميل ذا منظر خلاب يلتقى به نهرا " كدالوندي" و"جاليار" ، وحسب الحكايات المتداولة على ألسنة الكبار اشتهرت هذه القرية بهذا الإسم لما كانت ركنا يتمركز به الحداد لتصليح القوراب والبواخر التي تصل الى ساحل البحر العربي ، وقبل النهضة الإقتصادية التي نرى حاليا في ربوع هذه القرية كان سكانها يتداولون بأعمال مختلفة مثل زراعة جوز الهند وصنع الحبل وصيد الأسماك ، ورغم أن كانت سمات الفقر تعلو على وجوههم ساهموا في النشاطات الدينية التي تجري في ربوعها قدر وسعهم حتى ارتفع هناك جامع "كرووانتيروتي" القديم ومساجد "ماداتيل بادام" ، وكانت حلقات هذه المساجد والجوامع مركزا لمئات من طلبة العلم على مر العصور وتخرج منها عديد من العلماء الذين لهم بصمات ملحوظة في خدمة العلم ومساهمة بارزة في الدعوة الإسلامية ، كما اشتهرت هذه القرية في تاريخ كيرالا الإسلامي كمنطقة للسادات الشرفاء من أهل بيت النيي صلى الله عليه وسلم ، وهذه السمة ما زالت باقية الى الآن حيث يقطن فيها حاليا عديد من أبناء الجاليات السادات الذين وفدوا من الدول العربية.
وينتسب الشيخ المرحوم الى السادات البخاريين الذين وفد جدهم السيد أحمد جلال الدين البخاري قبل ثمانية من القرون من حضر موت باليمن الى مدينة ولابادانام بمقاطعة كانور بهدف الدعوة الإسلامية في ربوعها ، وبعد فترة من الزمن استوطن أجياله في مختلف المناطق بكيرالا حتى وصلوا الى قرية " كارووانتيروتي" ، وكان السيد الشريف إسماعيل البخاري ـ الحفيد الثالث للسيد أحمد جلال الدين البخاري المذكور ـ أول من استوطن في قرية " كارووانتيروتي" ورغم ان انتقل السيد اسماعيل البخاري الى مدينة " فنان" بسبب وفاة زوجه إلا أن نجله السيد عبد الرحمن البخاري وابنه السيد إسماعيل البخاري بقيا في قرية " كارووانتيروتي" ، ويعد السادات البخاريون الموجودون في هذه القرية من أجيال هذا السيد الجليل ونجله الكريم ، وولد شيخنا المتوفي السيد عبد الرحمن البخاري رحمه الله الحفيد التاسع والثلاثون للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه السلسلة البخارية ، وكان أبوه السيد أبو بكر كونجي كويا البخاري رحمه الله وكانت أمه السيدة حليمه كونجي بيوي كريمة السيد عبد الرحمن البخاري بن السيد أحمد عبيد الله البخاري الشهير من سادات قرية " كونار" بمدينة " وازاكاد".
رحلاته العلمية.
وكان والداه حريصين كل الحرص على تربية أولادهما على العلوم الدينية ، وكانت أمه توصي العلماء والسادات المترددين الى بيتها بالدعاء لنجليها لأن يجعلهما الله في زمرة علماء الآخرة ، وقد تلقى فضيلته العلم على أيدي عديد من العلماء البارزين بالهند ، وحسب العادة السائدة في كيرالا بدأ دراسته في حلق الدروس المتمركز بالجوامع ، ودرس القرآن الكريم على يد الشيخ كونجايين مولا ـ احد شيوخ قريته ، كما تلقى مبادئ العلوم الأساسية على يد الشيخ أحمد مسليار بوتانويتيل مدرس جامع كرووانتيروتي ، ولما انتقل الشيخ أحمد مسليار الى حلق الدروس بجامع بادات تابعه السيد المرحوم ولازم بدروسه ، ثم تحصل علوم التفسير على يد الشيخ محمد مسليار كودامبياتكات ، ثم انتقل الى حلق الشيخ محمد مسلياركونابوزاكاري والشيخ شريت مسليار بكودووالي ، ثم لازم دروس الشيخ محي الدين كوتي مسليار ـ احد رؤساء جمعية العلماء بعموم كيرالا في جوامع برامبات وبرابانغادي وبانياتينغل ، وبعد ذلك انتقل الى دروس الشيخ أوران مسليار في مناطق كاسركوت وكارووانتيروتي ، ثم لازم الشيخ أحمد مسليار كانييات ـ احد رؤساء جمعية العلماء بعموم كيرالا ببارامبات ثم قضى بعض حياته الدراسية في منطقة نانغوتور مع الشيخ أبو الكمال مسليار بانايات بالييل كاديري والشيخ بابو مسليار تراكاريبور ، ثم لازم دروس الشيخ إي. كي. ابو بكر مسليار ـ أحد زعماء جمعية العلماء بمنطقتي بارامبات وتالي بارامب ، ثم سافر الى مدينة ويلور للإلتحاق بكلية الباقيات الصالحات والتخرج منها ، ورغم أن قررت إدارة الكلية وقف التحاق الطلاب الوافدين من كيرالا لظروف إقتصادية سادت هناك إلا إن فضيلته قام بإيداع المبلغ الذي يحتاج الى مصاريفه مدة تعلمه في الكلية ونال الإلتحاق وتتلمذ على كبار العلماء مثل العلامة الشيخ آدم حضرت والعلامة الشيخ حسن حضرت ، وبسبب نبوغه في العلوم وامتيازه على أصدقائه اشتهر فضيلته لدى المعلمين والطلاب وقام بتدريس بعض الكتب الإضافية لزملائه مثل كتاب صحيح مسلم وحاشية المحلي والنخبة وجمع الجوامع ، وبعد سنتين من المدة الدارسية فاز فضيلته في الإمتحان النهائي بالشرف الأول وتخرج من الكلية بلقب الباقوي.
خدماته في مجال العلم والدعوة :ـ
وبعد تخرج فضيلته من كلية الباقيات الواقعة بويلور من ولاية تاملناد تفرغ جل وقته في تدريس العلوم الدينية للطلاب الوافدين الى حلق درسه بجامع "أولال" ، وقد انتصب مدرسا بجامع "أولال" عام 1952 ، وكان الشيخ أوران مسليار ـ قاضي منطقة كاسركوت ـ هو الذي حاول تنصيب فضيلته كمدرس في جامع أولال ، وبعد وفاة الشيخ أوران مسليار عين قاضيا في منطقة كاسركوت ، ولم يرض فضيلته أن يتحلى هذا المنصب تورعا وخوفاً من عبء المسئولية ، ولكن الضغوط من أهالي هذه المنطقة من جهة وأوامر معلمه الشيخ أحمد مسليار من جهة أخرى أجبرته على تحلي هذا المنصب رغم انفه ، وبعد عشرين سنة تحولت حلقة درسه الى كلية دينية بسبب توافد عديد من طلاب العلوم الدينية من شتى نواحي البلاد ، وقد تأسست هذه الكلية عام 1972 باسم الكلية المدنية العربية وعين فضيلته عميدا لها منذ تأسيسه واستمر في هذا المنصب حتى وفاته . وخلال أربعة من العقود تخرج من هذه الكلية مئات من العلماء بلقب "المدني" ، وكان لهم دور بارز في تنشيط مجال الدعوة الإسلامية بربوع الهند .
وجامع "أولال" له مكانة مرموقة في تاريخ الهند الإسلامي حيث يقع بجواره ضريح السيد الشريف المدني رحمه الله ، وكان السيد المدني رحمه الله قد وفد من المدينة المنورة الى أولال قبل أربعمائة سنة بهدف الدعوة الإسلامية بالهند ، وتحكي كتب التاريخ بأنه وصل الى الهند على متن سجادة مفروشة على سطح البحر ، وكان ملجأ للفقراء والمساكين في حياته وبعد مماته ، وظهرت على يديه عدة كرامات وخوارق لا تزال تتداول على ألسنة الناس الى الآن . وتشتهر هذه المنطقة لدى مسلمي الهند بلقب " أجمير جنوب الهند" ، وتجري نشاطات الكلية المدنية تحت إدارة مقام السيد المدني رحمه الله ، وكان لفضيلة الشيخ عبد الرحمن البخاري مساهمة جليلة في إنشاء هذه الكلية وتوسعة نشاطاتها العلمية في أوساط شعب الهند .
رئيسا لجمعية العلماء
وقد بدأت علاقة فضيلته مع جمعية علماء أهل السنة والجماعة بعموم كيرالا منذ فترة حياته الدارسية ، وتلمس فضيلته أهمية هذه الجمعية ونشاطاتها ودورها في تنظيم مسار الدعوة الإسلامية في ربوع الهند حيث كانت تعمل بهدف تصدي التيارات المنحرفة عن العقيدة المعتدلة التي تقوم عليها جمهور الأمة الإسلامية بالهند ، وكانت لهذه التيارات الضالة نفوذ قوي بين السلطات الهندية الحاكمة رغم كونها فاقدة التأييد من الجمهرة الإسلامية ، وكانت تستغل ذلك النفوذ لترويج عقائدهم الفاسدة في أوساط عوام المسلمين الخلص السذجة ، فلولا تصدي هؤلاء العلماء المخلصين والدعاة المستنيرين لخضعت الهند لتلك التيارات الهدامة لمبادئ وقيم الدين الحنيف ولوقعت الجمهرة الإسلامية الساذجة في فك مكاييد هؤلاء المفسدين الطغاة.
بالإضافة الى هذا الشعور بواقع حياة مسلمي الهند انجذب فضيلته الى هذه الجمعية الدينية لأن بعض أساتذته وشيوخه كانوا ممثلين لهذه الجمعية وكان لهم دور مهم في رئاستها والإشراف على نشاطاتها مثل الشيخ محي الدين كوتي مسليار براوانا والشيخ أحمد مسليار كانيات والشيخ إي.كي. أبو بكر مسليار ، وفي عام 1956 انتخب فضيلته كعضو في مجلس المشاورة ــ الهيكل الرئيسي للجمعية ــ والتي تضم أربعين عالما على مستوى ولاية كيرالا ، وذلك اثناء إجتماع أعضاء الشورى في مدرسة إصلاح العلوم بتانور في 20 سبتمبر 1956م . وبعد أن انتخب عضوا في مجلس المشاورة كان لفضيلته مساهمة مباشرة في جميع الحركات والنشاطات التابعة للجمعية ، ومعالم شخصيته وثقافته الواسعة وعلمه العميق ومواقفه الراسخة واخلاصه في العمل وغيرها من سماته العليا قد لعبت دورا بارزا في وصوله الى مقدمة الهيكل الرئيسي لهذه الجمعية .
وبتاريخ 13/8/1964 قام مجلس المشاورة بتشكيل لجنة تضم خمسة أعضاء بما فيهم فضيلته لإعداد تقريرعن رؤية حركة جماعة التبليغ وأهدافهم ومواقفهم ومدى موافقتهم واختلافهم لعقائد أهل السنة ، وقدمت اللجنة تقريرا شاملا عن هذه الحركة المناهضة لأهل السنة بعد بحث كامل وتفتيش دقيق عن الكتب والمجلات التابعة لهذه الحركة واطلاع شامل عن مواقف زعمائها وقادتها، ووصلوا الى أنها حركة مناهضة لأهل السنة والجماعة وأن عديدا من معتقداتها ومبادئها تناقض صريحا لما ثبت عن السلف الصالح من العقائد والشرائع، وبالتالي أعلن مجلس المشاورة برئاسة الشيخ أحمد مسليار كانيات بتاريخ 16/1/1965 أن حركة التبليغ فرقة مبتدعة وعقائدها ضالة ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة.
وبتاريخ 29/11/1976 اختارت لجنة المشاروة برئاسة الشيخ بي.أي.عبد الله مسليار فضيلته نائب رئيس للجمعية ، وذلك إثر وفاة الشيخ إبراهيم مسليار أينيكاد الذي كان يتحلى نائب رئيس الجمعية ،كما اختير فضيلته رئيسا لهيئة التعليم الإسلامي التابعة للجمعية بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن مسليار وانييامبالام وتحلى هذا المنصب في فترة كان شيخه الشيخ أحمد مسليار كنيات على رئاسة الجمعية ، وفي فترة تولي الشيخ أحمد مسليار لمنصب رئاسة الجمعية كان يوكل فضيلته لتولى مهامه ومسؤولياته في إجتماعات مجلس الشورى كما كان فضيلته هو الذي يقوم بإفتتاح جلسات المشاورة بالدعاء ، وذلك لكونه من الشرفاء والسادات.
وفي سنة 1989 انتخب فضيلته رئيسا للجمعية وذلك أثناء إعادة تشكيل أعضاء الجمعية إثر نشوء انحراف من بعض ممثليها عن المبادئ والأهداف التي تأسست لأجلها الجمعية عام 1926 على أيدي العلماء المخلصين ، وكان ذلك بعد أن تدخل بعض الأحزاب السياسية في الأمور الداخلية للجمعية وإظهار نفوذها وسلطتها في تدبير مسارها وتشكيل أنظمتها ، فلم يتمكن لهذا العالم المخلص أن يبقى في الجمعية على هذه الحالة التعيسة فسرعان أن أعلن موقفه الجريئ في مجلس المشاورة وأظهر استيائه على تدخل الأحزاب السياسية في امور الجمعية ، فلما انحاز بعض أعضائها الى آراء السياسيين وأصروا عليها نزل من قاعة إجتماع الشورى مع نخبة من العلماء المخلصين ، وقاموا بإعادة تشكيل هيكل الجمعية ، وانتخب فضيلته رئيسا للجمعية ، وكان ذلك نقطة تحول في تاريخ مسيرتها ، حيث تداركت الجمعية هيبتها لدى المجتمع واتسعت نشاطاتها وحركاتها من حدود ولاية كيرالا الى كافة أرجاء الهند وظهر الإزدهاروالنمو في كافة أنشطتها ، ونالت الجمعية حرية تامة في اتخاذ الآراء والمواقف دون تدخل أحد من السلطات والحكام .
ويبدو من هذا الموقف الباسل همته اللامثالية وانحيازه الكامل الى جانب الحق ، حيث لم يخضع أمام أحد في سبيل الحق ، ولم يخف في الله لومة لائم ، وصرح بأعلى صوته " سأبقى للحق ولو وحدي " وكان ذلك الموقف شبيها بموقف الخليفة الأول سيدنا أبي بكرالصديق رضي الله عنه حين اتخذ أمام فتنة مانعي الزكاة موقفا عظيما ، وكان له أثر في حماية الدعوة من أن ينالها ضرر أو نقص حيث قال مقولته الشهيرة : ((أوينقص الدين وأنا حي؟! والله لو منعوني عناقا- أو عقالا- كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه . إن الزكاة حق المال . والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، ولأقاتلنهم وحدي ما استمسك السيف بيدي)).
والأحداث والوقائع التي جرت فيما بعد خير شاهد على أحقية المنهج الذي سارعليه فضيلته في تلك الآونة ، وزادت الجمعية شعبيتها لدى المجتمع وكثر اعضاؤها واتسعت الهيئات والمعاهد الدينية على مستوى الهند ، ووصلت الجمعية الى حالة تخضع أمامها الأحزاب السياسية ، وابتعد السياسيون من التدخل في شئون الجمعية واستغلالها لمصالحهم الذاتية ، وكان مؤتمر هيئة الشبان السنية التابعة لجمعية العلماء سنة 2004 حدثا عظيما في تاريخها المجيد ، حيث كان انذارا صريحا لبعض الأحزاب السياسية ونوابها لعرقلتهم في منح المدارس الحكومية للمعاهد التابعة للجمعية وسماح تمثيلها في لجنتي الأوقاف والحج ، وأعلن فضيلته في المؤتمر النهائي المنعقد بكاليكوت أن يتخذ موقفا صارما ضد هذه الأحزاب السياسية وعدم التصويت لهم في الانتخابات القادمة ، وبالتالي خسرت هذه الأحزاب عديدا من مقاعدهم في البرلمان وفي المجلس التشريعي لولاية كيرالا .
عبادته وزهده :ـ
وكان فضيلته عابداً لله كل وقته ، ورغم ان كان مشغولا بالنشاطات الدينية والدروس العلمية انتهز الوقت لـأداء أوراده اليومية ، وحتى في آخر عمره كان يصلي الوتر إحدى عشر ركعة والضحى إثني عشر ركعة ، كما كان يلازم رواتب الفرض على أكمل وجهها ، وكانت حياته دليلا على أن النشاطات الإجتماعية والحركات الدينية لا تكون مانعا على أداء العبادات الشخصية ، وحقا عاش فضيلته في العلم وللعلم وفي العمل وللعمل مصداقا لقوله عزجل (( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله)).
كما كان فضيلته زاهدا حقيقيا لزخارف الدنيا ، ورغم أن كانت هناك فرصة للحصول على مكاسب الدنيا وثروتها إلا أن قلبه لم يمل الى هذه الزخارف الفانية ، وكان ينفق كل ما يحصل في أياده للفقراء والمساكين وذوي الإحتياجات ، وفي نفس الوقت لم يكن عبء على الغير بل قام بنفسه على تكاليف أسرته حتى في أواخر عمره.
كما كان فضيلته وليا من أولياء الله تعالى ، حصل على إجازات عديدة من مشائخه الكرام ، وداوم عليها في واقع حياته ، وقد ظهر على يديه كرامات وخوارق جمة ، ومنها ما حكاه الشيخ أبو بكر أحمد حفظه الله - الأمين العام لجمعية العلماء ـ انه كان يصاحب فضيلته في السيارة في إحدى رحلاتهما عبر ولاية كارنادكا ، وكان نشطاء حركة RSS ـ الحركة المتشددة الهندوسية ـ قد حظر المرور في الشوراع والطرق إثر نشوب صراع بين المسلمين والهندوس ، وأخبره السائق بأن الشارع الى الموقع المتجه اليه مغلق على أيدي المتشددين ، فلم يهتم به فضيلته وأمره أن يتجه الى تلك الناحية ، فلما وصلوا اليها منعهم المتعصبون وأوقفوا السيارة ، ففتح فضيلته زجاج النافذة وأخبرهم بأن في السيارة هو "مدرس أولال" ، فلما سمع هؤلاء المتشددون صوته سرعان أن قاموا بنقل الأحجار من الشوارع وسمحوا لهم بالعبور .
علاقته مع علماء العالم الإسلامي :ـ
وكان لفضيلته علاقة قوية مع علماء العالم الإسلامي ، ولهذه العلاقة الأخوية قاموا بتسميته في إحدى المؤتمرات الإسلامية بالهند بــلقب " تاج العلماء " ومن أشهر هؤلاء العلماء الشيخ المرحوم السيد علوي المالكي بمكة المكرمة ـ والشيخ محمد علوي المالكي ـ محدث الحرمين ـ والشيخ عباس علوي المالكي والشيخ الحبيب عمر بن حفيظ والشيخ الحبيب على زين العابدين الجفري من اليمن والشيخ صباح الرفاعي من العراق والشيخ أحمد محمد الخزرجي من الإمارات .
حياته الأسرية :ـ
وقد تزوج فضيلته السيدة فاطمة كريمة السيد أحمد كوياما برامانتالي ، وكانت زوجته صالحة عابدة زاهدة اشتغل جل أوقاتها في العبادات ، وقد ولد لهما من الأبناء 1ـ السيد حامد إمبيجي كويا البخاري 2ـ السيد فضل كوياما البخاري ومن البنات 1ـ السيدة بي كونجي مانجيشورام 2ـ السيدة مت بيوي كارووانتيروتي 3ـ السيدة كونجاتا بيوي بكاسركوت 4ـ السيدة بيوي الصغيرة بكاسركوت 5ـ السيدة رملة بكومبول .
وفاته
توفي رحمه الله يوم السبت 1 من ربيع الآخر سنة 1435 الموافق 1/2/2014م. وذلك الخبر الذي تداولته وسائل الإعلام والمواقع الإجتماعية خلف آثارا بليغة في نفوس مئات الآلاف من الأمة الإسلامية بالهند بل شعوب الهند بأكملها ، وتدفق الآلاف الى منطقة أيتي كولام بمقاطعة كانور لتوديع زعيمهم الروحي الى المولى عز وجل ، وقد ضجت هذه القرية بالدعاء والابتهالات حتى امتلأت الشوارع والطرق المتجهة اليها بالمسلمين وامتدت صفوف المشاركين للعزاء الى بعد 15 كيلومترا ، ولم يتمكن أكثرهم أن يرى قائدهم في اللحظة الأخيرة ، وقد تضامن آلاف الهندوسيين من سكان هذه المنطقة مع المشاركين في آلامهم ، حيث قاموا بتوزيع المشروبات الباردة بينهم ومكنوا لهم بالصلاة والدعاء في ساحات منازلهم ومعابدهم ، واستمرت صلاة الجنازة 35 مرة في ميدان المدرسة العامة بحضور مئات الآلاف ، حتى دفنوه في مقبرة مسجد التقوى مهللين تاركا وراءهم ذكريات خالدة محفورة في أعماق ذاكرتهم الباكية ووجدانهم الحزينة (( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى)).
إعداد: علي أصغر الثقافي الأزهري
بتاريخ ٦/٣/٢٠١٤
Comments
Post a Comment